بناء الكلمة في الشعر الجاهلي (دراسة دلالية)

فإنَّ البحث في جانب الإبداع اللغوي في الكلمة ووسائله، هو في جوهره بحث في (المثيرات اللغوية) الدالة على النص، سواء أكانت أصواتا، أم مفردات، أم تراكيب، أم قرائن مجازية.ولسنا في حاجة إلى إثبات أن أولى متطلبات تقدير أي عمل – نثري أو شعري –هو إدراك كلماته والوعي بها، بحيث يعتمد اكتشافنا لقيمة النص وإدراك جانب الإبداع فيه على مدى استجابتنا للكلمات التي يستخدمها أساسا، ومن إيماننا العميق بأهمية (الكلمة) في التركيب أفردنا لها هذا البحث، الذي سيتناولها بكونها إحدى المثيرات، أو بكونها أهم الوسائل في إبداع الدلالة.والمادة التي ستدرس في هذا البحث هي مادة (الشعر الجاهلي)، وهي مادة تحتاج إلى تذوق من جميع مثيراتها؛ حتى يتسنى لنا الحكم على إبداع اللغة عند أبنائها الأوائل، وما هو واقعهم مع لغتهم اليوم.إن دراسة (الكلمة) بحثا عن الدلالة هي ضرورة فوق كل ضرورة؛ لأنها تكسب مادة اللغة نداوة وطراوة، وتكسبها جدة وطرافة، بخلاف ما هي عليه-كما يرى بعضهم- من جفاف وقسوة أوجد من أبنائها الطلبة من يجعلون أصابعهم في آذانهم عند سماعهم للشعر الجاهلي، ومن ثمَّ فلا ينبغي أن ننظر إلى الشعر الجاهلي بكونه مَعِينًا زاخرًا لاستخراج قواعد اللغة، أو مادة ساكنة يستدل بها على حضارة البيئة وأيام العرب، بل هو إنتاج أدبي بلغ مستوىً رفيعًا من الخلق والإبداع.وسنرى في هذا البحث -بعون الله وتوفيقه- كيف أن الشعر الجاهلي هو إبداع لغوي، وأن أصواته ومفرداته وُضعت وضعًا فنيًا مقصودًا في مكانها المناسب، وأن الدارس للنحو العربي على هذا النهج سيدرك عظمة هذه اللغة، وهو ينظر إلى تراكيبها ودلالتها المعنوية، ويشعر باعتزاز بانتسابه إلى هذه اللغة الفنية، الثرية، الحافلة بالمعاني الرفيعة الجميلة، وهو وراء كل ذلك يحاول تطبيق هذه الأوجه في كلامه، ويشعر بمتعة في هذا التطبيق، علما بأني قد قسمت هذه الدراسة فصلين:أولهما: دلالة الصوت:سنقف في هذا الفصل عند دور الصوت في إبداع الكلمة في الشعر الجاهلي، أو كيف استدل العرب -كما يقول ابن جني- بمسموع الأصوات على محسوس الأحداث( ) وقد قسم هذا الفصل مبحثين: الأول: المحاكاة الصوتية الأولية، والثاني: المحاكاة الصوتية الثانوية. والآخر: دلالة الكلمة:في هذا الفصل سنتحدث عن دلالة الكلمة، والوسائل التي أثرت في أداء معناها، حيث قسم إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأول: خروج الكلمة عن دلالتها المعجمية، والمبحث الثاني: التقابل اللفظي، والمبحث الثالث: زيادة مبنى الكلمة.