
العالم بين حدّين نظرة في المبادئ الموجهة للتجربة الغزالية
Author(s) -
فهمي جدعان
Publication year - 1997
Publication title -
al-fikr al-islāmī al-muʿāṣir
Language(s) - Arabic
Resource type - Journals
eISSN - 2707-5168
pISSN - 2707-515X
DOI - 10.35632/citj.v2i7.1987
Subject(s) - psychology
عرفت التجربة الإسلامية الحديثة والمعاصرة -في تركيبها النظري والعملي الشامل- ثلة مرموقة من الرجال الذين رفدوها بعلم نظريّ غزير وبعمل "دَعَويّ" وفير. إننا لا نفتأ نذكر محمد بن عبد الوهاب، والقاضي الشوكاني، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وعبد الحميد بن باديس، وحسن البنا، والقاسمي، والمغربي، والألوسيين، والندوي، والمودودي، وسيد قطب، وكثيرين آخرين، لكننا لا نملك إلا الإقرار بان الشيخ محمد الغزالي كان، في تقدير جملة الناظرين، من أبعدهم أثراً في "الملأ" منهم. لا أحد يخطر في باله أن الشيخ الغزالي قد ابتغى صوغ منظومة فكرية تصورية محكومة بآليات المنطق التقني ومنهجيات العلم الطبيعي السائرة، على ما تجد عند المفكرين والفلاسفة أو اللاهوتيين أو المتكلمين المحترفين أو فلاسفة العلوم الوضعية، لأن منظومته التي تمثلها وأحياها وسعى على الدوام إلى نشرها كانت "الإسلام" نفسه، في جملته، وفي وجوهه التفصيلية المختلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والخلقية والروحية، ولأن المبدأ الرئيس الموجه لتجربته وحياته تمثل في أن "الإسلام للحياة".
لكن ذلك لا يعني أبداً أن تجربة الشيخ الروحية كانت تجربة "شاردة"، تند عن الموجهات المنهجية والمبادئ التأسيسية الصلبة التي كانت توجّه حِراكه النظري والعملي في دينا البشر، أو أنها كانت محض تمثلات "عاطفية" لروح متوثبة متحمسة مناضلة، أو خالص "وعظ إقناعي" يتوجه إلى عامة الناس أو إلى قوم لا يأبهون بالأسس الموضوعية للخطاب الذي يتلقونه. فواقع الأمر أن المبادئ "الموضوعية" التي أسست "العقل الإسلامي" الغزاليّ كانت ماثلة على الدوام في جميع أعماله العلمية والفكرية التي نتداولها ونقلبها من أجل النظر والتأمل، أو من أجل البحث، أو من أجل نشدان الفائدة. كما أن الذين استمعوا إلى دروسه أو التقوا به وبادلوه الحوار أو الجدل أو السجال يعرفون ذلك حقاً.
وهذه المبادئ الموجّهة أربعة رئيسة هي: الإيمان والعقل والعلم والعاطفة الوجدانية. وقد يمكننا ردها إلى حدين مركزيين تتردد بينهما جميع هذه المبادئ وهما: حدا الإيمان من طرف أول، وإليه يرد مبدأ العاطفة الوجدانية، والعقل من طرف ثان، وإليها يرد العلم أساساً.
لا يتطلب واقع الحال إلا القدر الأدنى من تقليب النظر لإدراك مُعْطى أساسي بيّن هو أن واقعة "الإيمان" هي الواقعة المبدئية، الصلبة، الأصلية، التأسيسية، البانية لكل ما صدر عن الغزالي من قول أو نشاط أو فعل. ومن الطبيعي أن يكون الأمر على هذه الحال، لأن الرجل أسلم نفسه للإسلام وعلّق به حياته كلها ورهن هذه الحياة لرسالته الدعوية المناضلة. والحقيقة أن "الإيمان" عنده لم يكن مجرد إقرار باللسان وتصديق بالقلب، مثلما عرّفه أهل الفرق الإسلامية القديمة، فهذا التحديد تحديد ...
للحصول على كامل المقالة مجانا يرجى النّقر على ملف ال PDF في اعلى يمين الصفحة.