العنونة في القصص القصيرة عند زكي العيلة

يعد اختيار العنوان انعكاساً لمدى قدرة الأديب على إحقاق التوافق والانسجام بين تركيبة النص وبين عنوانه، ويعتبر مقياساً للوصول إلى شمولية المعنى، هذا من جانب التحليل المباشر لنص العنوان ومقارنته بمحتوى النص، ولكن من الجدير ذكره أن هذا ليس شرطاً وحيداً للحكم على العنونة وإبراز دلالتها ومدى انسجامها مع النص، لإن الانسجام لا يظهر جلياً في كثير من الأحيان ضمن الحكم على عنونة القصة الواحدة، ولكن إذا ما نظرنا إلى تتابع القصص وسلطنا الضوء عليها كبنية واحدة قد يتحقق الانسجام بشكل كبير، وبإسقاط هذا الحُكم على دلالة العنونة في مجموعة من قصص الأديب زكي العيلة سنجد أن غالبية العناوين المختارة لقصصه القصيرة تحمل دلالات ترتبط وتتعانق بقوة مع دلالة المحتوى السردي لقصص الأديب العيلة، وخاصة في قصصه القصيرة جداً على سبيل المثال (لافتاتهم، الخطباء، العسكري الذي انتشر)، وكذلك الأمر في مجموعاته القصصية مثل (حيطان من دم، بحر رمادي غويط، العطش)، ولكن بمعيارية متفاوتة من حيث التوافق بين العنوان والمحتوى، وهذه تقديرات قد تختلف من ناقد لآخر وحتى من متلق لآخر. كما أن التنوع  في الدلالات هو أكثر ما تتميز به قصص الأديب زكي العيلة، فنجد أن العنوان يحمل رمزية مادية بينما المحتوى يتمحور تركيزه على الأشخاص الذي يجعل منهم الأديب بؤرة الأحداث، وتبدأ الشخصية بفرض نفسها من خلال أحداث القصة وتبقى ملازمة لها من البداية وحتى النهاية، وتتفاعل مع معظم الأحداث التي تسردها، وذلك يظهر بشكل واضح في قصة (البوصلة) التي تناولت العديد من الشخصيات وكانت البنية الأساسية لأحداث القصة، وكذلك (حيطان من دم) حيث كان التركيز على شخصية واحدة أكثر من سواها، والمراد هنا هو ربط ذلك بدلالة العنونة في هذه القصص وإظهار إبداع الأديب في اختيار العنوان، وأخذه لرمزية معينة ثم التصاقها بأحداث القصة من خلال شخص يكون هو محور أحداثها. ومن الجدير ذكره أن العيلة جعل روح المقاومة حاضرة في جُل أعماله الأدبية ولم يخرج عن إطارها حتى في القصص التي تناولت أحداث عن العشق، ويظهر ذلك في قصة (نوافذ أخرى للبوح) التي جعل من ترانيم تفاصيل العاشقين فيها لا تنسلي عن وجدان المخيم، وهذا يؤكد التزامه التام بالمبادئ التي انطلق على ركبها من البداية.