
إميل سيوران وسياسة كتابة الفلسفة -قراءة تحليلية لنصوص منتقاة.
Author(s) -
حيدر ناظم محمد
Publication year - 2018
Publication title -
lārk
Language(s) - Arabic
Resource type - Journals
eISSN - 2663-5836
pISSN - 1999-5601
DOI - 10.31185/lark.vol2.iss29.328
Subject(s) - medicine
يمثل سيوران ظاهرة ثقافية لصيقة بالفلسفة، وهي فريدة ومشاكسة تختزل بوضوح بالغ، القول بان الفلسفة اليوم تقع خارج أطر التقييد والتقليد الفلسفي التي اعتدنا جميعاً قراءتها وفهمها عبر خطوط الصدع القابعة في خارطة المشاريع الفلسفية الكبرى وخطاطاتها المعتادة، ان سيوران ذهب باعتقادنا الى ابعد من ذلك، حين عمد الى تفتيت خطوط الما بعد، حتى وان كان هذا الاتجاه ( الما بعد ) يدعي لا مركزيته، عبر تشكل مركزيات لا تتشكل الا لتزول، وذلك من خلال اقتناص سيوران تلك الجوانب الغريبة التي تسير باتجاهات معاكسة لكل ما هو مألوف، فاذا كان نيتشه قد دعا الى ضرورة اعادة النظر في العقل الغربي من حيث تمركزه حول ذاته، وتحرير هذا العقل من المقولات والشعارات الكبيرة التي حولته الى قوى غاشمة ذات صبغة آلية خالصة، الى تحرير الانسان من الاوهام والاصنام التي اختلقها هذا العقل عبر العيش في الحياة وارضنة الفكر ونبش الاصول من خلال جينالوجيا لا تبقي ولا تذر الا بالمقدار الذي يعيد للانسان كرامته المهدورة، واذا كان كانط من قبله قد احدث ثورته الكوبرنيكية من خلال عمله التشريحي الكبير للعقل البشري ومجاوزة ثنائية العقلي- الحسي، من خلال السبق الزمني للحواس، والمنطقي للعقل، ثم يأتي ماركس لاحقاً ليدعو الى تغيير العالم وليس الاكتفاء بتأويله، او ربما الارتهان للتحليل السايكولوجي الذي كشف عن هذا اللاواعي الذي يتحكم بشطر كبير من وعينا او قل وعينا كله، نقول اذا كان الامر كذلك مع اعمدة الفكر الفلسفي الكبرى، فان سيوران قد قلب الطاولة على كل تلك الكشوفات والرهانات رغم اهميتها عبر سؤال مركزي عدمي بامتياز لا يمكن ان يضاهيه سؤال اخر، السؤال عن سوء ان نكون قد ولدنا؟؟؟ فما العمل؟ وما جدوى كل ذلك الذي حدث وما زال يحدث، كيف يمكن لنا ان نعيد صياغة شكل وجودنا المعلق عبر ولادتنا؟ ان سؤال سيوران عن الولادة، ليس سؤالاً عن لحظة انبثاق للكائن في العالم، كما يتصور ربما البعض، انما هو سؤال انطولوجي ذات ابعاد كوزمولوجية بامتياز، وهذا باعتقادنا ما يجعل من هذا الكاتب مفكراً يستحق ان نقف عنده، لفهم مسار السؤال الفلسفي في سياق عصره، ولكن الكاتب الذي يلج الى الفلسفة عبر الادب المستغرق بالتشاؤم والعبث واللاجدوى، وربما الفوضى، لذا ليس من الغريب ان نجد تلك القدرة الخارقة في تطويع اللغة كيف يشاء، انه ربما وكما يصف فوكو روسيل، آلة حربية بامتياز، قادرة على هدم المألوف واجتراح كل ما هو شاذ، لكنه قابل لان يكون محطة للتامل والتفكر، ان هذا الروماني الثائر وبصرف النظر عن الامتدادات النفسية لكتاباته، قد حقق امكاناً كبيراً للدخول للفلسفة من خلال اللغة بوصفها فلسفة والفلسفة بوصفها نثراً وادباً في ان واحد.