
علاقة المؤسسة السياسية في دولة مغول فارس والعراق بالصوفية من 656-738هـ -دراسة تاريخية-
Author(s) -
رياض عبد الحسين راضي البدراوي
Publication year - 2019
Publication title -
lārk
Language(s) - Arabic
Resource type - Journals
eISSN - 2663-5836
pISSN - 1999-5601
DOI - 10.31185/lark.vol2.iss25.1072
Subject(s) - business
يتناول هذا البحث العلاقة التي كانت تربط المؤسسة السياسية في دولة مغول فارس والعراق([i]) بالتيار الصوفي. وتلك الدولة من نتائج الهجمة المغولية الكبرى على البلاد الإسلامية. حكمت لأكثر من ثلاثة عقود باسم الإمبراطورية المغولية العظمى الام الكائنة في منغوليا، وعاصمتها قراقورم ثم خان باليغ، الا ان دولة مغول فارس والعراق، أعلنت استقلالها بعد تلك المدة عن الإمبراطورية الام، وتحديدا ابان تولي السلطان محمود غازان (694ـ 703هـ) حكمها، وتبعت خطوة الاستقلال خطوة أخرى تعد قرارا سياسيا جريئا عززت به ذلك الاستقلال، وهي تبنيها الدين الإسلامي دينا رسميا للدولة بدلا من ديانتها الوثنية (الشامانية)، واستمرت مستقلة حتى انهيارها سنة 738هـ.
الموضوع يتناول زمانا ومكانا مهمين في تاريخ الإسلام، فعلى مستوى الزمان، وفي الإطار العام في تلك المدة عاشت البلاد الإسلامية فراغا سياسيا لم تألفه طوال حياتها، تمثل بسقوط الخلافة العباسية سنة 656هـ، على يد أعتى قوة عرفها التاريخ، ونعني بها القوة المغولية، وتلك المدة كانت بالنسبة للمسلمين من أحلك الأوقات التي مرت عليهم، وأكثرها صعوبة، ولعل شدة تلك المرحلة على المسلمين، هي التي كانت وراء إطلاق بعض الباحثين والدارسين عليها بمصطلح (الحقبة المظلمة). اما في الإطار الخاص ونعني به حالة التيار الصوفي، فقد شهدت تلك المدة اعلى درجات تألق التيار الصوفي من دون منازع ([ii])، ففيها أكملت الظاهرة الطرقية تشكيلاتها التي خرجت بالتصوف من الخانقاه الى المجتمع بكل تناقضاته وتفاعلاته، وتلك الظاهرة التي جعلت من التصوف مؤسسة ضخمة تتماهى في احشاء النسيج الإنساني للمجتمع الإسلامي، فتترك اثارها على العقول والنفوس في عدة اشكال من التأثير النفسي.
اما على مستوى المكان، فالموضوع يتناول بقعة جغرافية مهمة متمثلة بدولة مغول فارس والعراق وتوابعها، فهي: تضم العراق العربي، الذي أقيمت على ارضه عاصمة الخلافة العباسية بغداد، وقبلها احتضن الكوفة عاصمة الخلافة الراشدة بعد المدينة المنورة، إضافة الى انه بلد معروف بعمقه الحضاري منذ القدم، ويضم المكان نفسه الى جانب العراق، بلاد فارس التي تمثل مهد الحضارة الساسانية، ومن تلك البلاد انطلقت العساكر العباسية لأسقاط الخلافة الاموية في دمشق سنة 132هـ، وفي بلاد فارس أيضا صيغ القرار السياسي بتولي المأمون العباسي(198ـ 218هـ) الخلافة بدلا من أخيه الأمين (193ـ 198هـ)، وتلك البلاد نفسها كانت المحطة التي انطلقت منها العساكر المغولية لإسقاط الخلافة العباسية سنة 656هـ، وذلك المكان في مدة بحثنا كان يحتضن عاصمة دولة مغول فارس والعراق الكائنة بداية امرها في تبريز ثم انتقلت الى مدينة السلطانة أيام السلطان اولجايتو والشهير بخدابنده(703 – 716هـ)، وهي إضافة الى بلاد فارس والعراق كانت تضم بلاد الروم (اسيا الصغرى) التي كانت في السابق من ممتلكات الإمبراطورية البيزنطية تلك الإمبراطورية التي ورثت الإمبراطورية الرومانية القديمة، والتي تمثل حضارة قائمة بنفسها.
وتأتي أهمية هذا الموضوع من ناحيتين: الأولى كون التصوف أحد اهم المؤسسات الاجتماعية التي كانت تدار بوساطتها دولة الخلافة، والدول التي حكمت بعد العباسيين، لاسيما في الازمان التي شهدت توترا بين المؤسسة السياسية وأطراف المعارضة، وإدارة مثل تلك الازمات كانت تجري عن طريق منابر الوعظ التي تعقد في الربط والزوايا. وبهذا التوصيف يكون التصوف حلقة مهمة من حلقات تاريخ الإسلام، ودراسته تعد واحدة من المفاتيح المهمة لفهم حقيقة كثير من حوادث الإسلام منذ ان صار التصوف تيارا شعبيا ([iii]) فاعلا في المجتمع الإسلامي حتى يومنا هذا ([iv])، اما الناحية الثانية فتكمن في مستوى العلاقة بين المؤسسة السياسية المغولية والصوفية، فقد كانت علاقة مثيرة للجدل، ان قسناها بميزان القوى العسكرية، فهي غير متكافئة، فالمغول كانوا يمثلون اقوى قوى شهدها التاريخ وقتذاك، والصوفية أناس عزل عن السلاح ومسالمين، وان اخذناها بالمعيار الديني فكانت القوتان مختلفتين عقائديا، المغول وثنيون، والصوفية مسالمون، وحتى بعد دخول المغول الإسلام كان هناك فرق مذهبي بين سلاطين دولة مغول فارس والعراق الذين كانوا يدينون بمذهب اهل السنة عدا السلطان اولجايتو الذي كان يعتقد بالمذهب الامامي وبين الصوفية الذين لهم رؤيتهم الخاصة للدين وهي لا تمثل مذهباً محدداً بعينة. وعلاوة على كل ذلك كانت الخيارات متاحة امام المؤسسة السياسية المغولية بان تتخذ بديلا عن الصوفية، فالساحة المجتمعية فيها عدة قوى دينية إسلامية وغير إسلامية غير الصوفية؛ لكن المؤسسة السياسية تركتها وركنت الى الصوفية في اجراء هو الاخر مثير للجدل.
كل تلك التساؤلات هي التي كانت وراء صياغة السؤال الرئيس لهذا البحث وهو: ما سر العلاقة القوية بين المؤسسة السياسية في دولة مغول فارس والعراق والتصوف؟
وتمت المعالجة عن طريق الإجابة عن عدد من الأسئلة المنهجية التي غطت الموضوع وأهمها: ما الأسباب الكامنة وراء تلك العلاقة؟ ومتى بدأت تلك العلاقة بين المغول والصوفية وما طبيعتها؟ وما سر اقامتها بين طرفين غير متكافئين في القوة ومختلفين في المعتقد؟ ولماذا أُختير التيار الصوفي من دون غيره من القوى الدينية السائدة في مجتمع الدولة؟ وما الكيفية التي تمكنت بها المؤسسة السياسية في دولة مغول فارس والعراق من احتواء تيار شعبي واسع مثل التيار الصوفي؟
موضوع البحث لم يحظ باهتمام كاف من الباحثين المعاصرين سواء أكانوا من العرب ام من غيرهم، بل لم يفرد ـ وعلى حد علمنا ـ أحد منهم بحثا وافيا لهذا الموضوع أصلا. هذا إذا ما وضعنا في الحسبان ان الشائع عن اغلب دراسات التصوف هو تركيزها على منحاه الروحي/ الفلسفي الذي يقع خارج نطاق دراسة المؤرخ وتوقعاته.
(([i] دولة مغول فارس والعراق (656ـ 738هـ) جغرافيا تشمل العراق العربي وبلاد فارس إضافة الى اسيا الصغرى (بلاد الروم).
(([ii] نظرا لما حققه التيار الصوفي من تقدم في تلك المدة فقد حدا ذلك بعدد من المتخصصين بالتصوف ان ينعتوها بعصر التصوف. انظر مثلا: كولن تيرنر، التشيع والتحول في العصر الصفوي، تعريب، حسين علي عبد الساتر،ط1 (المانيا: دار الجمل ، 2008م)، ص 109؛ نادية إيبو جمال، الناجون من الغزو المغولي :نزار قوهستاني واستمرارية التقليد الإسماعيلي في ايران ، تعريب، سيف الدين القصير، ط1،(بيروت: دار الساقي ، 2004)، ص 140؛ شيرين بياني، المغول التركيبة الدينية والسياسية، تعريب، سيف علي ،مراجعة ،نصير الكعبي(بيروت: المركز الاكاديمي للأبحاث، 2013م) ص379؛
Khwaja Muinud-Din Jamil, Sufis in The Mongol era, Alpha Bravo Publishers, 1st edition (Pakistan1986)p.33.
(([iii] عن شعبية التصوف الإسلامي في العصر الوسيط انظر: سبنسر ترمنجهام، الفرق الصوفية في الإسلام،تعريب، عبد القادر البحراوي،(القاهرة: دار المعرفة الجامعية، 1994) الفصل الثامن من ص 321 فما بعدها؛
Marshall G. S. Hodgson, The Venture of Islam, USA.1974.vol2, pp.201-254.
(([iv] صار التصوف من المواضيع التي تعول عليها الدوائر الغربية في رسم سياستها مع العالم الإسلامي، اذ استضاف برنامج الأمن الدولي في "مركز نيكسون" ـ المعني بدراسات علاقات الولايات المتحدة بالصين وروسيا والخليج العربي وحوض الكاريبي ـ في الرابع والعشرين من تشرين الأول عام 2003م مؤتمراً لاستكشاف الدور الذي يمكن أن يقوم به التصوف ضمن أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وكان هدف المؤتمر – على وفق تقرير نيكسون – هو تعريف صناع القرار السياسي بالتصوف والذي يشار إليه المؤتمر غالباً بـ "الإسلام الثقافي"، والذي يمارسه ملايين الناس حول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. للوقوف على تفاصيل المؤتمر انظر التقرير الذي صدر عن المؤتمر: فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية، مركز نيكسون،2004م، أعداد: توبياس هيلمستروف وياسمين سينر وإيميت توهي، تحرير: زينو باران، تعريب، مازن مطبقاني.(الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، د.ت). كما قامت مؤسسة راند الأمريكية " RAND Corporation " ـ المسؤولة عن رسم الخطط السياسية الامريكية التي تتعامل بموجبها الولايات المتحدة مع احداث العالم اجمع ــ بإصدار تقرير بهذا الشأن في العام 2007 والذي استغرق اعداده ثلاث سنوات وجاء تحت عنوان " بناء شبكات مسلمة معتدلة، Building Moderate Muslim Networks" وقد كان تركيز التقرير الذي تكون من 217 صحيفة على أثر التصوف ومؤسساته في تذويب حدة التباين الإيديولوجي بين الإسلام والحضارة الغربية. ينظر التقرير على الصحيفة الرسمية لمؤسسة راند : www.rand.org. وكذلك ينظر بشأن الموضوع نفسه:
RAND Corporation, The Muslim World After 9/11,USA,2004,pp.44-46.
وقد نشرت مجلة البيان في مقالها المعنون " العبور الأمريكي من الزاوية الصوفية " في عددها 313 في رمضان 1434هـ، يوليو – أغسطس 2013م. معلومات واحصائيات مهمة عن المؤتمرات العالمية التي خصصت لبحث موضوع التصوف وإمكانية استعماله بوابة للتعامل مع المجتمع الاسلامي.