
نظرية النفس عند الفارابي . مقاربة تحليلية نقدية
Author(s) -
م.د. أياد كريم الصلاحي جامعة واسط كلية الآداب
Publication year - 2019
Publication title -
lārk
Language(s) - Arabic
Resource type - Journals
eISSN - 2663-5836
pISSN - 1999-5601
DOI - 10.31185/lark.vol1.iss9.894
Subject(s) - physics
منذ أن اتهم ((ابن طفيل)) في قصته (حي بن يقظان) الفارابي بالتردد والاضطراب في أمر النفس، والموضوع عرضة للخلاف وإثارة الغبار على المعلم الثاني وموقفه من خلود النفس، لاسيما بعد أن تلقف المحدثون ذلك الاتهام وبنوا عليه نتائج جانبَها الصواب في كثير من الأحيان([i]). وسبيلنا الوحيد لتحقيق هذه القضية هو استعراض رأي ابن طفيل، والتثبت من صحة ما نُسب إلى الفارابي، ثم عرض آراء الأخير من واقع نصوصه الثابتة لاستخلاص النتائج النهائية، دونما إغفال لآراء المحدثين في هذه المسألة:
يقول ابن طفيل ((وأما ما وصل إلينا من كتب أبي نصر فأكثرها في المنطق وما ورد منها في الفلسفة فهي كثيرة الشكوك.. فقد اثبت في كتاب ((الملّة الفاضلة))([ii]) بقاء النفوس الشريرة بعد الموت في آلام لا نهاية لها وبقاء لا نهاية له ثم صرح في ((السياسة المدنية)) بأنها منحّلة وسائرة إلى العدم، وانه لا بقاء إلا للنفوس الفاضلة، الكاملة ثم وصف في ((شرح كتاب الأخلاق))([iii]) شيئاً من أمر السعادة الإنسانية وإنها إنما تكون في هذه الحياة التي في هذه الدار، ثم عقب ذلك كلاماً هذا معناه"وكل ما يذكر غير هذا فهو هذيان وخرافات عجائز))([iv]).
يبدو إن ابن طفيل يشير في قوله ((بقاء النفوس الشريرة بعد الموت في آلام لا نهاية وبقاء لا نهاية له)) إلى ما جاء في كتاب (الملّة) من سعادة الأفاضل والإبرار وشقاء الأراذل والفجار في الحياة الآخرة من جهة([v]) والى ما جاء في (آراء أهل المدينة الفاضلة) من جهة ثانية([vi]) أما قوله عن تصريح الفارابي في ((السياسة المدنية)) بأنها منحلّة وسائرة إلى العدم وانه لا بقاء إلا للنفوس الفاضلة الكاملة، فأنه يشير إلى من وصفه الفارابي بأنه لا يصغي أصلا إلى قول مرشد ولا معلم ولا مقوّم، فهؤلاء تبقى أنفسهم هيولانية غير مستكملة استكمالاً تفارق به المادة حتى إذا بطلت المادة بطلت هي أيضاً
([i]) أنظر: دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، نقله إلى العربية: محمد عبد الهادي ابو ريدة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1938م، ص 148، وانظر: جوزيف الهاشم، الفارابي (سلسلة نوابغ الفكر العربي)، دار الشرق الجديد، ط1،1960، ص129.
([ii]) لم تذكر فهارس كتب الفارابي القديمة كتاب ((الملّة الفاضلة)) وإنما المعروف له كتاب (الملّة) وهو يخلو أيضاً من أية إشارة لما ذكره ابن طفيل. انظر الفارابي، كتاب الملّة- ونصوص أخرى- تحقيق د.محسن مهدي، دار المشرق، بيروت، 1968، ص14، (المقدمة) على إن للفارابي رسالة في أربع صفحات بعنوان (في الملّة الفاضلة) لم يبحث فيها موضوع النفس أصلاً ناهيك خلودها. انظر: د.عبد الرحمن بدوي، رسائل فلسفية، ط2، دار الأندلس، بيروت،1980، ص33-36.
([iii]) من المعروف إن الفارابي آلف شرحاً على كتاب ((الأخلاق النيقوماخية)) لم يصلنا ولكنه أشار إليه في (الجمع بين رأيي الحكيمين) إذ يقول: إن أرسطو في كتابه المعروف بـ ((نيقوماخيا)) إنما يتكلم على القوانين المدنية، على ما بيناه في مواضيع عن شرحنا لذلك الكتاب. انظر: الفارابي، الجمع بين رأيين الحكيمين، تحقيق الدكتور علي بو ملحم، ط1، دار الهلال، بيروت، 1966، ص1، ص50. وأشار إليه أيضاً ابن باجة في ((رسالة الوداع)) ضمن: رسائل ابن باجة الإلهية، تحقيق ماجد فخري، بيروت، 1968، ص116واشار إليه ابن رشد في الشرح الكبير لكتاب النفس لأرسطو، ترجمة، إبراهيم الغربي، بيت الحكمة التونسي، ط1، 1997م، ص 219.
([iv]) ابن طفيل، حي بن يقظان، تحقيق احمد أمين، دار المدى، بغداد- دمشق، 2005، ص 61.
([v]) الفارابي، الملّة- ونصوص أخرى- تحقيق محسن مهدي، ص45.
([vi]) الفارابي، أراء أهل المدينة الفاضلة، ط1، تحقيق البير نصري نادر، المطبعة الكاثوليكية، بيروت،1959، ص114.