أوضاع الكوت السياسية خلال خمسينات القرن العشرين

تبقى حقبة الخمسينيات من القرن العشرين في العراق غنية بأحداثها ورجالها، والأهم من ذلك غنية بعبرها، ومهما تعمقنا بالحديث عنها وتعمق الباحثون الآخرون فيها وهم كثر نبقى بحاجة لمعلومات وأحداث مجهولة لم يتطرق إليها أحد. وأحد أهم أسباب هذا الغنى برأيي إنها نهاية وبداية ملامح وصور كبيرة. النهاية لوجود اسم الحقبة الملكية التي ظن القائمون عليها من الملك (فيصل الثاني) وولي عهده (عبد الإله بن علي) وأركان حكمهما بدءا من نوري السعيد، وتوفيق السويدي، وعلي جودة الأيوبي، وآل الباجة جي، وآل بابان، ومحمد فاضل الجمالي، ورفيق عارف، وغازي الداغستاني، وبهجت العطية، وسعيد قزاز وغيرهم الكثير إنهم يقفون على أرض قوية صلدة وليس على تل عال من الرمال المتحركة الذي أطاح بهم في لحظة فجر واحدة لا غير. وعلى الرغم من أنهم حملوا معول إسقاطهم بأيديهم بسبب عزلتهم عن الناس والدوران في حلقتهم الخاصة بهم إذ إنهم لم يسمحوا وقتها لأي كائن خارج نخبتهم أن يلعب اللعبة معهم فهم ورثة العهد العثماني وأبناء العهد الإنكليزي بامتياز، توافقت المصالح بينهم، وعززوها بالمصاهرة والتزاوج فيما بينهم فميزوا أنفسهم عن باقي ألوان المجتمع العراقي([i]) ويصفها علي كريم سعيد بأنها طبقة انعزالية متعالية([ii]). تتبادل هذه النخبة أدوار المعارضة والموالاة فيما بينها، يسجن البعض، يغادر البعض الآخر لكنهم من نفس طينتهم. وقد ظن أعضاء هذه النخبة أن استنادهم إلى ركنين أساسيين سيحول دون سقوطهم ألا وهما الإنكليز، والإقطاع.   ([i]) علي كريم سعيد، العراق البيرية المسلحة حركة حسن سريع وقطار الموت 1963ص13دار البراق – لندن ([ii]) علي كريم سعيد، المصدر السابق نفسه