
مدركات العقل العملي - قراءة نقدية لإطروحة الشيخ محمد السند ( ) في العقل العملي-
Author(s) -
م.م.عبد الجواد عبد الرزاق
Publication year - 2019
Publication title -
lārk
Language(s) - Arabic
Resource type - Journals
eISSN - 2663-5836
pISSN - 1999-5601
DOI - 10.31185/lark.vol1.iss21.642
Subject(s) - political science
من بين المسائل التي شكلت عنصرا مشتركاً في كل من الفلسفة وعلمي الكلام والأصول, تعد مسألة (العقل العملي) معلماً واضحاً لهذا الإشتراك, والعقل العملي هو المجال المعرفي الذي يتعلق بأفعال وسلوك الإنسان, ما ينبغي منها وما لا ينبغي, وإذا ما علمنا أن إرهاصات هذه المسألة تعود إلى جدلية العلاقة بين العقل و الدين, عندها لا يستغرب من حجم الخلاف الذي انبثق من بين طيات بحث هذه المسألة الأخلاقية.
وفي سياق البحث في قضايا و مدركات العقل العملي, ظهر مساران في الفكر الإسلامي, مسارٌ لم يفرط بقيمة العقل, ولم يسلب الشرعية من أحكامه, بل نظر لها نظرة إكبار جاعلاً منه مصدراً للأحكام الخلقية, وتجلى هذا عند جمهور الحكماء و العدلية[i]. أما المسار الآخر والذي تبنته الأشاعرة, فيرى قصور العقل و عجزه عن أن يكون مصدراً للأحكام الخلقية, فلا حكم للعقل قبل حكم الشرع, وقد عنون هذا الخلاف بــ(مشكلة الحُسن و القُبح), فذهب الفريق الأول الى الحسن والقبح العقليين, بمعنى أن العقل قادرٌ على الحكم بحسن و قبح الافعال بمعزل عن الحكم الشرعي, فيما ذهبت الاشاعرة الى الحسن و القبح الشرعيين, إذ لا حكم للعقل عندهم قبل ورود حكم الشرع, فالحسِن ما حسنه الشرع و كذا القبيح.
وفي إطار المسار الأول الذي اعترف بحاكمية العقل, حصل خلاف آخر, فبعد الإتفاق على قدرة العقل بالحكم بمعزلٍ عن الشرع, فهل يكون العقل منشئاً لمدركات العقل العملي من حسن و قبح؟ أم أنه مدركٌ لها فحسب ؟, وبعبارة ثانية هل لمدركات العقل العملي واقعاً موضوعيا مستقلاً عن العقل المدرك لها ؟ أم أن العقل هو الذي يقررها و يعتبرها تبعا لسعادته ؟, وفي الموقف تجاه هذا الاستفهام, وجد اتجاهان فيالفكر الإسلامي, الأول ينفي الوجود الموضوعي لمدركات العقل العملي, ليؤكد أن واقعها لا يتعدى إعتبار العقل إياها ووضعه لها, وتسمى نظرية هذا الاتجاه بــ (نظرية الاعتبار), أما الثاني فيؤكد على الواقع الموضوعي المستقل لهذه المدركات, وإن وجودها ليس من إعتبار العقل, ويمكن تسمية نظرية هؤلاء بـ(نظرية الحقيقة).
إذن, نظرية الاعتبار و نظرية الحقيقة, مبنيتان على الحُسن و القُبح العقليين, أي انهما تفرعتا عن المسار الأول الذي لم يفرط بمكانة العقل, ولم يسلب الشرعية من أحكامه, و بهذا يتضح حجم المسافة بين نظرية الاعتبار و بين المسار الثاني الذي تبنته الاشاعرة.
[i] العدلية مصطلح يطلق على المتكلمين الذين يؤمنون بالعدل الإلهي, وأبرزهم المعتزلة و الإمامية, خلافاً للأشاعرة .