
كسر المتعارف الجمعي في الشعر الأندلسي - دراسة في غرائبية القول والفعل-
Author(s) -
رعد ناصر مايود الوائلي,
جمال جاسم سريوط البو حمد
Publication year - 2019
Publication title -
lārk
Language(s) - Arabic
Resource type - Journals
eISSN - 2663-5836
pISSN - 1999-5601
DOI - 10.31185/lark.vol1.iss21.630
Subject(s) - chemistry
لم تعرف الدولة العربية الإسلامية إقليما تتداخل فيه العناصر والمكونات الاجتماعية مثل الأندلس فسكان هذا الإقليم كانوا مختلطين من القوط وغيرهم والبرابرة والصقالبة, فضلا عن العرب الوافدين إلى الأندلس من الفاتحين وغيرهم, وشهد ديانات متعددة مسيحية ويهودية وإسلام, ولقد أُثِر عن الأندلس أنها حاضنة التعايش السلمي والديني في عصورها ولكن النظرة المتعمقة أبدت لنا صورا مخالفة لما هو مأثور إذ تدنت حقوق الرعية في كثير من المواضع والعصور... فنتيجة لما في المجتمع الأندلسي من أعراق وطوائف وقوميات متعددة كان لكل منها أثر في الواقع السياسي والاجتماعي, وكان للشعر الحظ الأوفر في التعبير عما في المجتمع من تقلبات, وصراعات سياسية, وطبقية أو جدليات دينية ترجمها الشعراء لتغذية هذه الأحداث ورفدها من خلال موروثهم الفكري والثقافي مادة حية في الحياة العامة المعاشة...
وقد يلتقي هذا التصور مع ما موجود إذ علمنا إن الشعر مرآة حياة الأمة والباعث الأساس لروح التكتل والحماسة والتعصب لأبناء هذه الأمة فيه... فقد اتسمت العصور الزمنية التي ساد الإسلام فيها بلاد الأندلس بولادة شعراء يشار لهم .وكان هناك أكثر من دافع يجعل هؤلاء الشعراء بمختلف مشاربهم المعرفية المتعددة يطرحون أسئلة الوجود , والذات , والنحن , والانا , والوطن, والدين , والقبيلة .... وسواها
وعبروا عن نزوعهم وانتمائهم للدين والقبيلة أو الجنس من خلال أشعارهم التي نظموها, وقد كان هذا النزوع يدفعهم الى التطلع بالنظر إلى الآخر اللامنتمي معهم لاسيما وان الإنسان الأندلسي حاله كحال أي إنسان يتفق أو يختلف في مجالات العقيدة والأرض أو السياسة وغيرها...
والإنسان بطبيعته لديه انتماءات متعددة، وهذه الانتماءات قد تتصارع وقد تتكامل . والانتماء الإيجابي يدعم حرية الإنسان وتفرده ويضعه في مكانه الصحيح في المنظومة الاجتماعية، أما الانتماء السلبي فهو يشكل قهراً اجتماعياً أو تعصباً فكرياً أو دينياً عرقياً فضلا عن الخروجية العرفية ؛ فالواقع يفرض على الإنسان مجموعة من الانتماءات التي تاخذ سلما ترتسم على مدرجاته اتجاهات الانتماء المختلفة ؛ فالإنسان محكوم بعدد من الانتماءات التي قد تتعارض أحيانا أو تتفق أحيانا أخرى .
ان رؤية المنتمي في مرآة الآخر( اللامنتمي), ورؤية الآخر اللامنتمي في مرآة المنتمي ليستا خروجا عن الموضوعية أو تحيزاً او هوىً . فمنذ تكون البشرية والإنسان يحتاج إلى التآلف مع آخرين من بني جنسه فتشكلت بذلك أولى الجماعات البشرية , ومنذ القدم أيضا تنازعت الجماعات فيما بينها والبحث عن مصادر عيشها فألّفت كل منها (جماعات وتكتلات /انتماءات) في مواجهة جماعات أخرى ونمتِ الثقافات الخاصة بكل جماعة لتحدد أسلوب حياتها , فيما استمرت الاختلافات تتجذر والانتماءات الجهوية تتباعد فاختلفت إشكالاً ولغة وثقافة , لان الحاجة غريزة فطرية تقتضي الإشباع بالتقابل ولتؤكد كل جماعة ذاتها في مواجهة (الآخرين) فنسجتْ لها قصصاً وأساطير عن أصولها المميزة وللتنافس في ما بينها ناظرة إلى غيرها نظرة (متعالية / دونية) لان ذلك يحقق لها ديمومة جماعية في مواجهة صراعها مع الموجودات . وعلى مدى التاريخ الإنساني استمرت هذه العلاقة وان اختلفت في درجة الشدة , ولم يفلح العقلاء ولا المصلحون وربما حتى الأنبياء في خلق عالم مثالي ينظر فيه الناس لبعضهم على أنهم متساوون , فاضطروا إلى قبول حقيقة الاختلاف ؛ فلابد من الاعتراف حقيقة الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر اعترافا بحقوق متكافئة لكل الشركاء في هذا التكوين الاجتماعي أو ذاك , وبقدر ما تتوافر هذه الضروريات تتراجع الدوافع المضادة: الأنانية, العدوانية , التغريب, والتمرد , القلق , الخوف , والانحلال الفوضوي بوصفها خطرا ممارسا محيطا بقيمة الإنسان ووجوده وكل ما يترشح عنه من تناقضات سلوكية وأفعال.