
فلسفة الصبر في القرآن الكريم والسنة المطهرة
Author(s) -
بركاوي جليب القريشي,
خالد صدام الزبيدي
Publication year - 2019
Publication title -
lārk
Language(s) - Arabic
Resource type - Journals
eISSN - 2663-5836
pISSN - 1999-5601
DOI - 10.31185/lark.vol1.iss15.765
Subject(s) - political science
نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فهو المهتد ومن يظل فلن تجد له وليا مرشدا, الحمد لله الصبور الشكور العليم القدير الذي شغلت قدرته كل مخلوق, إن الله سبحانه وتعالى جعل الصبر جوادا ًلا يكبو وصارما ً لا ينبو وجندا ًلا يهزم وحصنا ً حصينا ً لا يهدم ولا يثلم فهو والنصر أخوان فالنصر مع الصبر , والصلاة والسلام على أفضل الخلق محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه المنتجبين, وبعد..
في زمن أجدب فيه الصدق وتراخت عرى الأيمان بالحق وجمل السوء ليصير في ظنَّ أهله حقيقية, وكاد الحق ينقلب إلى باطل كل هذا وغيره, مما أثار في نفسي أن أتناول هذا الموضوع .
ولذلك فإن مفهوم الصبر يتضمن، عنصر العمل وهو مفهوم غير خامل، بل فيه حركة وحركة نشطة وفعالة، إذ أنه يحث على العمل والأداء الجيد، وهذا يقاس بالتحمل والمثابرة في وجه الصعوبات والمصائب من خلال بذل الجهد، وهذا الجهد لا يتولد تلقائيا وإنما يتطلب الكثير من التركيز والسيطرة على النفس. والصبر يعرف بتحمل الآلام والصعوبات, وهذا الفهم للصبر قد يكون غير مصيب لحد التعريف فإذا طُرح مفهوم الصبر في مجتمع ـ يعيش الظلم والقهر، ويخضع لأشكال الفساد والانحلال ـ بشكل خاطئ، يتحول إلى عامل مهم يستخدمه الظالمون والمفسدون للاستمرار في السيطرة والقمع، ويصبح عاملاً مساعداً للتخلف والركون وبقاء حالة الفساد والانحطاط. ومن الواضح أنّ شيوع وانتشار مثل هذه الروحية في المجتمع سيعود بنفع كبير على الطبقات الظالمة التي تريد الحفاظ على امتيازاتها. ويبقى الضرر نصيب الطبقات المستضعفة المظلومة, وعندما يطلب من شعب يعاني الفقر والحرمان والتخلف أن عليه الصبر، فالمتبادر للفهم أول وهلة عليهم تحمل المرارات والآلام والظروف القاسية المهلكة التي تمارس وتفرض عليهم, وتكون النتيجة أيضاً أن هذا المجتمع ليس أنه لن يتحرك نحو الثورة ضد الأوضاع السيئة للتخلص والنجاة من هذا الظلام والضياع فحسب، بل سيتوهم ويمني نفسه بأنه مأجور ومثاب عند الله على هذا الصبر أيضاً وعليه، ينزوي ولا يبالي بما يحدث ولا يكترث بما يحصل حوله، ويعيش حالة من الرضا والسرور ويظن ذلك فوزاً عظيماً له,وهذا الفهم الخاطئ يستلزم آثارا وخيمة على المجتمع المبتلى.
وإذا أردنا الإطلاع على الآيات والروايات التي تناولت مفهوم الصبر بشكل جامع وشامل، فإننا سنتعجّب بعدها من هذا التحريف في المفاهيم التي توصل المجتمع إلى درجات غير مقبولة, فنظرة تبيّن لنا بوضوح ما طرحته الآيات القرآنية والروايات المنقولة عن الأئمة (عليهم السلام) سنصل إلى نتيجة تخالف كلياً ما هو رائج وشائع بين الناس. وعندما ننطلق من الرؤية القرآنية والروائية سنشاهد أن الصبر هو ذلك الطود الشامخ الذي يخالف ما تعورف من الفهم الخاطئ، ويقوم بمواجه المشكلات ويتجاوزها بكل سهولة محققاً النتائج الإيجابية تماماً, ويكون بداية فتح لسعادة وخير المجتمع .
وللتعرف على مفهوم الصبر ومجالاته، علينا الرجوع إلى القرآن وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) والوقوف عليها وإثبات المعنى الصحيح لهذا المفهوم, فالقرآن الكريم ذكر الصبر والصابرين في أكثر من سبعين آية بشكل مباشر وصريح مع مدح هذه الصفة والمتصفين بها، ولم يكن حظ الروايات بأقل من ذلك, فالوقوف والتدقيق في الآيات القرآنية التي تناولت مفهوم الصبر , و سنصل إلى المفهوم الصحيح للصبر من خلال مجموع الروايات التي وصلتنا، وهو مقاومة الإنسان المتكامل للدوافع نفسه الشريرة, وهذا هو معنى الصبر, فمن جانب باطن الإنسان يوجد كل تلك الصفات والخصال السيئة والرذيلة، بالإضافة إلى العوامل الخارجية الدنيوية التي تجلب المتاعب والعقبات في هذا الطريق.
الصبر هنا يعني مواجهة ومقاومة كل هذه الموانع بإيمان, فإنّ جميع التكاليف الإسلامية الفردي منها والاجتماعي تُعد وسائل ولوازم هذا الطريق للوصول إلى المقصد الإنساني. وبناءً عليه يكون كل واحد منها بذاته مقصداً وهدفاً قريباً ينبغي تحقيقه للوصول إلى الغاية النهائية.
سبب اختيارنا لهذا الموضوع هو ما تمر به الأمة الإسلامية بصورة عامة, والعراق بصورة خاصة من تمزق وانحلال وتفرقه بين أبناء شعبه الواحد الذي تحاول الامبريالية والصهيونية والملحدين والمرتدين أن يبثوا الفتنة بين المسلمين سنة وشيعة بالرغم من اختلاف مذاهبهم الفقيه والكلامية وتعدد آرائهم في فهم التأريخ والسنة وتفسيرهم للأحداث إلا أننا جميعا ً نتداول نصاً واحد من القرآن الكريم وفي جميع العصور فلا نجد في كافة المكتبات القديمة والحديثة نص آخر للقرآن غير هذا الذي نتداوله جميعا ً سنة وشيعة فالسبيل الوحيد لتحدي هذه المحنة التي تمر بها وتمر بها الأمة الإسلامية كافة هو الصبر مقتدين بالسلف الصالح من الأنبياء وأهل البيت عليهم السلام كصبر نبينا محمد (عليه الصلاة والسلام) على تحمل أذى المشركين من قريش وصبر نبينا أيوب عليه السلام وصبر أهل البيت ( عليهم السلام ) جميعهم وتحملهم كافة أنواع التعذيب والقتل والسبي والتهجير من بني آمية وبني العباس.
تضمن البحث معنى الصبر لغة واصطلاحا, وبيان أسماء الصبر والفرق بين الصبر والتصبر والاصطبار والمصابرة, وأقسام الصبر وتعلقه بالأحكام الخمسة, وذكر ما ورد في الصبر من نصوص الكتاب العزيز وهي أكثر من سبعين آية قرآنية, وكذلك ذكر ما ورد في السنة المطهرة, والصبر نصف الأيمان وأن الأيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر, وبيان دخول الصبر في صفات الرب جل جلاله وتسميته بالصبور الشكور, ثم بيان إن الإنسان لا يستغني عن الصبر في أي حال من الأحوال, ثم الخاتمة فالهوامش والمراجع والمصادر واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين عليه توكلنا واليه انبنا .