
التسامح وتجلياته في الفكر العربي الحديث محمد عبده إنموذجاً
Author(s) -
صباح حمودي نصيف
Publication year - 2019
Publication title -
lārk
Language(s) - Arabic
Resource type - Journals
eISSN - 2663-5836
pISSN - 1999-5601
DOI - 10.31185/lark.vol1.iss13.810
Subject(s) - philosophy
يحتل الشيخ محمد عبده (ت 1323هـ/ 1905 م) مكانه مرموقة وكبيرة في تاريخنا الفكري العربي الحديث والمعاصر، اذ انفق حياته داعياً إلى الحق، جاداً في فعل الخير، ولهذا وضع شخصه وعلمه وتجربته في خدمة المجتمع، فكان على بينة من تاريخ الشعوب القديمة وحضارة الشعوب الحديثة حتى اصبح موضوع دراسة وبحث وتحليل، باعتباره شخصية فذة متناغمة تزخر بالاصالة والعمق، بعد ان ترك لنا العديد من آرائه الاصلاحية وكتاباته الجريئة التي لا تخلو من الروح الفلسفية لاسيما مشكلة الحرية والخير والشر، فضلاً عن بصماته البارزة والواضحة على العديد من المجالات والميادين الاجتماعية والدينية والسياسية وغير ذلك، حتى أصبح مفكراً من الطراز الأول في إيقاظ الشعور بضرورة تحقيق النهضة المنشودة القائمة على الوحدة والتعاون والتسامح سواء في مصر او في بقية بلدان العالم العربي، فمن الصعب ان نتجاهل الدور العظيم لهذه النهضة التي تستند على العقل الذي بدوره بنشئ الحضارة ويقيم المدنية، وجعله هذا موضع اهتمام لدى الكثير من المفكرين المسلمين والغربيين.
إن موقف محمد عبده التسامحي والإصلاحي كان قائماً على أساس عقلي مستنداً على تحرير الفكر من قيد التقليد، ولهذا دعا للعودة إلى الإسلام لأنه قائم على التقوى والإيمان والتنوير، ويطوي في جوفه بذور النهضة، فأخذ يحث على حب الوطن، والتسلح بالعلم، والمطالبة بالحريات والحقوق، وتحرير العقول وتطهيرها من قيد التخلف والتعصب، والانتقال بها إلى مصاف التعايش السلمي، ولا سبيل للوصول إلى هذا إلا من خلال تعزيز علاقة الفرد بالمجتمع، تحقيقاً للرقي الحضاري، فلا نهضة حقيقية الا بالتسامح والاصلاح الحقيقي بقلبٍ وعقلٍ وفكرٍ ووجدانٍ أصيل، الذي من خلاله نتمكن من تحقيق الرقي للمجتمع، فالإنسان مسؤول عن صنع تأريخه بنفسه ومجبول على فعل الخير، وليس له الا العقل الحر والعلم النافع، كي يصبح عضواً صالحاً نافعاً في المجتمع، وما أشبه البارحة باليوم، فالزمن الذي عاشه محمد عبده يشابه زماننا الراهن من حيث التحديات العاصفة به، التي كان يطرحها الآخر والمتمثلة بالجمود والخرافة والأسطورة واللاعقلانية، فكانت الإجابات التي قدمها عبده مهمة للغاية بالنسبة لنا نحن أبناء هذا الجيل المعاصر، لأنها أكثر عقلانية وحداثة ونهضوية، وعلينا ان نستفيد من هذا الدرس المتفتح والمتسامح الذي باشره عبده.
من اجل هذا حاولنا في بحثنا ان نضع أنفسنا موضع المفكر محمد عبده لكي نفهم وجهة نظره من مفهوم (التسامح)، كونه قيمة أخلاقية غير قابلة للنقاش، لما تتميز به عقلية الإنسان الذي يقبل التنوع والتعايش السلمي لجميع الأفراد ولكل الشعوب والثقافات، وهو مبدأ يرتقي إلى مصاف القداسة حتى يصبح قيمة ديمقراطية، ولهذا يصعب تحقيق الحداثة بكل أشكالها دون استنبات أخلاقيات التسامح وحقوق الإنسان والحريات الخ
من هنا اخذ محمد عبده يضع بصماته التجديدية على خارطة فكرنا العربي الإسلامي الحديث والمعاصر حتى نتمكن نحن من فتح النوافذ لرياح التغيير والعمل بشكل جذري لتحويل بنية العلاقة بين الأنا والآخر، إلى الأفضل والأحسن والأمثل، من خلال التسامح والتعامل بروح سلمية، وان يتولى المرء بكل لطف وتواضع وتعقل لتعليم غيره إلى ما هو أفضل في دحض الآراء الخاطئة التي يقولها ويكتبها القائمون هنا وهناك، وإيجاد أساس في نظرية المعرفة لمطالب التسامح بأعتبار ان البشر لا يستطيعون الوصول إلى الحقيقة المطلقة، وبهذا يصبح مطلب التسامح مؤسساً على نظرية المعرفة من خلال الفرق بين المعرفة المحددة للبشر، والحقيقة المطلقة التي لا يمكن الوصول اليها، بل يمكن الاقتراب منها، وبذلك نضع (للبعد المعرفي) أهميته في التسامح بأعتباره أقوى من (البعد الخلقي) لارتباطه بنظرية المعرفة.
عليه، سيتضمن بحثنا المحاور الآتية: التسامح لغةً واصطلاحاً، جذور وأصول وتأريخية التسامح، رؤية عبده لحقيقة التسامح وتجلياته، فضلاً عن الخاتمة واهم الاستنتاجات.