
حقيقة الإرهاب الفكري ومعالجته في القرآن الكريم
Author(s) -
أ.م.د خولة مهدي شاكر الجراح
Publication year - 2021
Publication title -
maǧallaẗ kulliyyaẗ al-tarbiyaẗ
Language(s) - Arabic
Resource type - Journals
eISSN - 2518-5586
pISSN - 1994-4217
DOI - 10.31185/eduj.vol2.iss25.2732
Subject(s) - computer science
من نعم الله على البشر أن وهبهم العقل ,ذلك المخلوق المطيع لخالقه عندما استنطقه قائلا :((أقبل فأقبل ثم قال له : أدبر فأدبر قال :وعزَّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب ,أما إني إياك آمر, وإياك أنهى , و إياك أعاقب و إياك أثيب )) .وفي ضوء ذلك فان الثواب و العقاب ,و الأمر و النهي موجه إلى المخلوق الذي يمتلك العقل , و إلا لو انعدم وجوده عند الإنسان لما جعل مناطا للتكليف , عليه الثواب و العقاب , و يعد من نوع البهيمية , لذا فان العقل هو الذي يمنع الإنسان من الوقوع في الخطأ و يحجره عن ارتكاب الذنوب و المعاصي و من ثم فهو الحصن الحصين له من الهلاك , فهذه الأمور- في الواقع- هي محصلة لإعمال العقل بالتفكر والتأمل و التدبر في الآيات الكونية , فمن تعقلها و تدبرها و أدرك أن ورائها خالق عظيم مدبر ,فقد أدرك النجاة و الخلاص , لهذا كان وما زال الخطاب الإلهي موجها إلى (أولي الألباب , أولي الأبصار , لقوم يعقلون , يتفكرون ,...وهكذا) إذن المسالة هي عملية عقلية بحتة .من هنا ندرك أن التطور العلمي و المعروف للبشر -على مر العصور- لم يأتِ اعتباطا إنما كان باستنزاف الطاقات العقلية التي تشكلت بفعل النبوءات التي أرسلها الله إلى البشرية جمعاء؛ لإرشادهم وهدايتهم ,فنحن نؤمن أن (وإن منْ أمَّةٍ إلَّا خَلَا فِيهَا نَذِير) وهو- النبي- ومبشر في ذات الوقت .وعلى هذا الأساس ندرك أن نمو الفكر الإنساني كان بفعل التوجيه الإلهي -عبر أنبيائه- للبشر؛ليسلكوا الطريق المستقيم؛ قال تعالى ( وَأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمَاً فاتَّبعوهُ ولا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ) .يجد البحث إن هذا التهاوي والانحطاط , وإتباع الهوى, والتعصب, والتقليد الأعمى هو محصلة الافتراق عن صراط ربي المستقيم ؛عناداً( وبطراً و تمرداً على الله تعالى, وعدم قبول المنهج الإلهي لمحاولة التغيير و الإرجاع إلى جادة الصواب) , وهذا التمرد دائما منشؤه نقص العقل و اختلاله عن التفكير السليم و الفهم القويم, ولهذا ينشا الفكر الإرهابي .من هنا نجد أن هذا الفكر يستهدف أولا العقل و عملياته الذهنية ؛كونه المحرك الإنساني الأساس, فهو وعاء الفكر, وأصل التفكير الذي ينبني عليه الرقي أو الانحطاط بحسب منابعه الأساسية, ويستهدف كل نشاطاته وإبداعاته التي تسهم في النهوض و الإصلاح ثانيا , ومن ثم يرفض أي عملية تغييريه , ولهذا لا نشك بأن الفكر الإرهابي ((يرفض الفكر الآخر الذي يحاول أن يقوم اعوجاجه وينظم ما تبعثر , ويتدارك ما سُفِل ,بان يرقيه , ويبقى الفكر الإصلاحي مرهبا, ويبقى الإصلاحيون مرهبون تحت طائلة العقاب الذي يوقعه أصحاب الفكر الإرهابي)) , وما هذا إلا بسبب تعارض الأفكار, و محاولة رفض متبنى فكريا لأحدهما على الآخر قسرا و عدوانا .ونحن لا ننكر سنة الاختلاف والتغيير والتنوع الفكري في الفهم ووجهات النظر في مسلك أو قضية معينة, فالمخلوقات البشرية مختلفة الذكاء و الغباوة , والجهل و المعرفة , و هذا أمر طبيعي، ولكن إذا تبنى نتاجا فكريا و أصرَّ على فرضه على الآخر , لدرجة أن ينال منه بالتكفير و التّفسيق؛ لإضعافه فكريا, محاولة منه إثبات نتاجه فإن هذا يدخل في مصاف الإرهاب الفكري . وللوقوف على حقيقة هذه الظاهرة التي لم تنجو منها البشرية منذ الخلق الأول (آدم) و ابنيه (قابيل وهابيل) والى الآن فقد ارتأى الباحث تناوله بالبحث للتعرف أكثر على جزئيات هذا الموضوع .سوف يتم دراسة مفهوم الإرهاب الفكري، وعوامل ظهوره، وأهدافه، ووسائله، وآثاره، وكيفية مواجهة القرآن الكريم له وعلاجه وذلك خلال مباحث البحث.