كلمة العدد ( العربي)

يسرنا أن نقدم للقراء الكرام هذا العدد الخاص عن مؤتمر «فكر الاستغراب في التداول المعرفي المعاصر: نحو رؤية علمية موضوعية في استكشاف الآخر»، ويلقى موضوع الاستغراب اهتمامًا أكاديميًّا متزايدًا منذ عقود؛ لأهميته في مجالات علمية وعملية عدة، لعل من أبرزها موضوع حوار الحضارات والعلاقات الاستراتيجية بين الشرق والغرب. وقد جاء هذا المؤتمر نتيجة عملٍ دؤوب وتعاون بين كلية الشريعة في جامعة الكويت ممثلة في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، وكلية الشريعة في جامعة قطر ممثلة بكرسي الإيسيسكو لحوار الحضارات، ودعي إلى المؤتمر علماء وباحثون متخصصون في هذا المجال. وانعقد المؤتمر عبر الزووم بتاريخ 28/2/2021. وينشر هذا العدد ثمرة لتوأمة بين مجلتين عريقتين في الخليج العربي هما: مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت، ومجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، فنشكر جميع الذين أسهموا في هذا الإنجاز، وهيئة تحرير المجلة السابقة. ونحمد الله تعالى على إدراج مجلتنا هذا العام ضمن الكشاف العربي للاستشهادات المرجعية في الويب أوف ساينس. أثمر المؤتمر عن دراسات جادة واعية ومؤسسة لموضوع الاستغراب، وظللت أبحاثه حقولا متنوعة، في خطاب الاستغراب مثل بحث «العالم العربي والغرب نحو بناء خطاب الاستغراب» للدكتورة زاهية إسماعيل صالحي، وكذا «خطاب الاستغراب العربي المعاصر» للدكتور يوسف بنلمهدي، كما تطرق إلى نقد الأسس الفكرية وسؤال الشرعية في مثل بحث «المنطلقات التأسيسية للبحث الموضوعي في الاستغراب» للدكتور عز الدين معميش، وعرض لحضور الاستغراب في التجارب الشرقية والشرق أقصوية واللاتينية كما في بحث «تداوليّة الاستغراب في الفكر العالمي المعاصر» للدكتور المبروك الشيباني المنصوري، كما تناول المؤتمر الأسس النظرية للموضوع في مثل بحث «في الحاجة الى قواعد منهجية لفكر الاستغراب» للدكتور حسن عزوزي، وحضر الاستغراب الهندي أيضًا في بحث «مرجعيّات الاستغراب الهنديّ النقدي وأسئلة الخصوصيّة» للدكتور محمد ثناء الله الندوي، وعرض المؤتمر أيضًا للهويات الدينية والاستغراب في نحو بحث «المجتمع اليهودي بين الاستشراق والاستغراب» للأستاذ الدكتور محمد خليفة حسن. والذي يُخلَص إليه من عصارات المؤتمر الذي ستعرض أوراقه المنتخبة في هذا العدد المتميز من مجلة الكلية أن التعددية الجغرافية واقع منظور، وأن التعددية الثقافية قدرٌ محتوم: وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ [هود: 118]، وأن المشارق والمغارب متعددة المشارب والمنازع والدوافع والغايات، وأن المتيسر المتاح في بناء العلاقات هو المبادئ العظمى والقيم الكبرى التي صاغتها الرؤية الإسلامية في ذلك ومنها: مبدأ الخلافة الإنسانية: فالإنسان هو خليفة الله في أرضه، المكلف بأداء أمانة الاستخلاف وعمارة الأرض، ونشر العدل والقسط ومجانبة البغي والعدوان وسفك الدماء. مبدأ الوحدة الإنسانية: فأصل الإنسانية واحد من نفس واحدة، فلا تفاوت بين الأجناس، ولا عنصرية مقيتة، والتميز والأفضلية إنما هو بالتقوى والعمل الصالح والنفع العام إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ [الحجرات: 13]، ومن المعلوم أن من مقاصد الخلق الاختلاف، ومن ثم التعارف والتعاون والتكامل، وليس التناحر والتداحر والاستعلاء. مبدأ الحوار والعود إلى الكلمة السواء: فالحوار مع الآخر ضرورة حضارية لبناء نموذج إنساني متراحم، وهو ما يقود إلى التثاقف والتلاقح، وتبادل التجارب النافعة الخادمة لإنسانية الإنسان، والتلاقي على عمارة الأرض، وما أكثر المشترك الذي يخدم الفطرة السوية ويعمر المهاد الأرضي. استثمار الخبرة الإسلامية في معرفة الآخر وبناء علاقات سوية عادلة معه، وهو ما نجده في كتابات الفقهاء وعلماء مقارنة الأديان والجغرافيين والرحالة المسلمين، وهو ما أثمر شبكة علاقات واسعة مع الشرق والغرب، حيث صبت تلك الجهود في بناء الحضارة الإسلامية الزاهية العادلة، التي انطلق المسلمون فيها من القاعدة القرآنية المحكمة غير المنسوخة لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ٨ إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ٩ [الممتحنة: 8-9]. لا نستبق القارئ في الأحكام والمواقف، ففي البحوث المرقومة هنا غنى وكفاية، وفي المنشور استحثاث للباحثين للإسهام ومزيد النقد والمساءلة والإضافة بما يعود بالنفع على جميع ساكن المعمورة. وجدير بالذكر أنه في الوقت الذي يصدر فيه هذا العدد حول "فكر الاستغراب في التداول المعرفي المعاصر"، تعد دار نشر جامعة قطر لإصدار الأجزاء الأولى من "موسوعة الاستغراب"، وهي أول موسوعة في العالم الإسلامي ترصد الغرب، شارك في كتابة مداخلها أكثر من ثمانين باحثًا من القارات الأربع؛ (آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية)، وتصدر بتعاونٍ بين عدة جهات، منها؛ اللجنة الوطنية لتحالف الحضارات بوزارة الخارجية القطرية، وكرسي الإيسيسكو لحوار الحضارات، وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر.