واقع وآفاق حماية التراث الثقافي في المنطقة العربية

حيال ثراء المخزون التراثي للمنطقة العربية، وجد أصحاب القرار بالدول المعنيّة أنفسهم أمام خيارات عديدة للحوكمة أثّر فيها عديد الإكراهات، حيث تباينت النظرة إلى التراث الثقافي بين من يرى فيه ثروة يجدر تثمينها ومن يراه تركة ثقيلة تشكّل عبئًا ماديًّا؛ لما يتطلبه من مصاريف صيانة وحماية أمنية، ومن يرى فيه عائقًا في وجه الحداثة والتدريب، كما أن كثيرًا من الممتلكات الثقافية في طريقه إلى الاندثار؛ نتيجة اصطدامه بالزحف العمراني الذي تريده السلطات أو ذلك الذي يفرضه المضاربون العقاريون المتنفذون أو الفئات الاجتماعية محدودة الدخل بإقامتها لبنايات عشوائية؛ يضاف إلى كل هذا إشكالية نهب التراث سواء أكان من قبل الأفراد أم من قبل العصابات المنظمة على المستوى الوطني أو ذات الامتداد على المستوى الدولي؛ فمسألة التراث الثقافي توجد في قلب السياسات الأمنية والثقافية والتنموية لأغلب الدول العربية، كما أنها تطرح عند قيام النزاعات المسلحة وعلاقة ذلك بأنشطة الجماعات الإرهابية، وما ينشأ عنها من مأساة تدمير أو نهب عناصر من التراث الثقافي. وتبدو محدودية الإمكانات المادية وتهميش مسألة التراث في خضم تزاحم الأولويات والتحديات التي تجابه السلطات من الأمور التي حدت من قدرتها على حمايته وعلى اقتناص الفرص التي تخولها تثمينه لغاية تحقيق تنمية مستدامة. ومن هنا نوصي أساسًا بالزيادة المهمة في الاعتمادات المالية المخصصة لحماية التراث ودعم التعاون الإقليمي والدولي في المجالات المتصلة به، مع منظمات متنوعة مثل: الشرطة الأوربية والإنتربول ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة؛ بالإضافة إلى التوظيف الأمثل للممتلكات الثقافية والسعي إلى إحياء مكونات التراث اللامادي التي أشرفت على الاندثار، لاسيما عن طريق الدعم المادي والتدريب وتكثيف المساعي لاسترداد التراث الثقافي المنهوب، وتولي المصادقة على الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحماية التراث الثقافي.