علاج الحزن بالفلسفة (قراءة في عزاء سينيكا)

لقد اثار في ذهني فكرة هذا البحث ، تلك العبارات العظيمة التي كتبها (سينيكا) من منفاه ، الى أمه ( هلفيا) ، كتعزية لها على فراقه ، وكيف انه رغم ما يعانيه من ألم الفراق ، يستنهض همتها ويوجه لها النصح بالصبر وتطويع الذكريات ، والإصرار على الدراسة والتعلم ، والتدرع بالفلسفة ووسائلها ضد إنفعال الحزن ، وتحويل اسباب الشقاء الى اسبابٍ للسعادة. مُذكراً إياها بالخيرات التي منحتها اياها الطبيعة والعناية الالهية ، ويضرب لها مثلاً في كيفية تحويله المنفى الى محطة للتأمل والنظر الفلسفي ، إنها رسالةٌ من فيلسوف ؛ وهذا يعني أنها ليست رسالةً موجهةً الى أمه فقط ؛ بل الى البشرية جمعاء ، رسالةٌ من فيلسوفٍ كان يرى الأرض كلها موطنه ويرى في نفسه مواطناً لكل العالم. ، لذا كانت الحياة كما جسّدها سينيكا ؛ عملية علاجية مستمرة ، أبدعتها التدريبات العقلية لفطام العقل عن مصادراته الفجّة ، وتصف أعمال هذا الفيلسوف ، عملية العلاج ، التي يمكن للقارئ أن يحقق من خلالها الفضيلة ، وغالباً ما يُشرك سينيكا القارئ في هذه العملية ....